لاقى مشروع “قناة السويس” الجديدة أصداء إيجابية واسعة في قلوب الملايين من مختلف مشارب الحياة حول العالم، وذلك بفضل ثماره الاقتصادية المجزية، وحجم الجهود المبذولة في بنائه، ومستواه الريادي المتطور، ولكن من هم الأبطال والبناة الحقيقيون لمشروع “قناة السويس” الجديدة ؟
“أنا لا أعمل هنا لمجرد كسب المال، ولكنني فخور جداً للمساهمة في بناء مستقبل بلادي”.
هكذا قال مصطفى عبد الموجود، المواطن المصري المقيم في الإسماعيلية، والذي يعمل كمهندس مساعد في مشروع “قناة السويس” الجديدة منذ 6 أشهر. إنه يوم حار من شهر يوليو حيث تلهب أشعة الشمس الحارقة موقع البناء قبل أيام قليلة من موعد افتتاح القناة الجديدة. ويعدّ عبد الموجود، الذي يتحلى بمعنويات مرتفعة، عضواً في فريق يضم 3 أفراد مسؤولين عن تدعيم ضفتي القناة بصخور محلية. وينطوي هذا الجانب على أهمية بالغة في المشروع، إذ يتعيّن عليهم القيام بذلك على امتداد المجرى الملاحي الجديد بطول 35 كيلومتراً، واستكماله قبل عبور أول سفينة.
ويسافر عبد الموجود مع آلاف العمال يومياً إلى موقع القناة لاستكمال المشروع وفق الجدول الزمني المحدد. وهو يتحدث دوماً عن أهمية القناة الجديدة في الثقافة المصرية، وهذا أمر يتشاطره مع جميع سكان الإسماعيلية
ويقول أحد مصوري الفيديو في المشروع: “إن مصر تستحق ذلك؛ لأن استكمال هذا المشروع يشكل انطلاقة جديدة للبلاد بعد الصعوبات التي واجهتها خلال السنوات القليلة الماضية”.
وتمت الإشارة لهذه الانطلاقة الجديدة بعد أن كشف فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي عن المشروع في شهر أغسطس 2014، ولكن لم يتم تسليط الضوء بالقدر الكافي على الجهود الحثيثة للعمال الميدانيين الذين بذلوا قصارى جهودهم على مدى 11 شهراً لاستكمال هذا المشروع الحيوي.
ولطالما كانت هذه البلاد معطاءة بجهود أبنائها، فإبّان فترة حكم الملك خوفو خلال النصف الأول من عصر المملكة المصرية القديمة بين عامي 2589 – 2566 قبل الميلاد، شرع ببناء أول الأهرامات وتم تشييد أضخمها حين كانت مصر في أوج ازدهارها.
وامتدّ المشروع آنذاك لأكثر من 20 عاماً، ونجح المصريون حينها ببناء الهرم الأكبر الذي يتجاوز وزنه 6,5 مليون طن، والذي بات أحد المعالم الرئيسية الشهيرة التي ترمز إلى عمق جذور الحضارة المصريّة على المستويين المحلي والعالمي. وكان هذا الإنجاز الاستثنائي ثمرة عزيمة وإصرار الشعب المصري لبناء نبراس للدولة، ورمز للأبهة والعظمة، ومعلم حضاري تدارسه وزاره وأحبه الناس من مختلف أنحاء العالم.
وبقيت هذه الثقافة صامـدة في وجه الزمن لتتجلى مجدداً في مشـروع “قناة السويس” الجديدة، حيـث تم الاتفاق بدايةً على تسليم المشروع في غضون 3 أعوام. ولكن الرئيس السيسي أصر على تكريس عزيمة الشعب المصري عندما أعلن أن القناة ستكتمل خلال عام واحد فقط.
وخلال فترة زمنية وجيزة، شهد المشروع توظيف 43 ألف شخص بينهم عدد كبير من المهندسين، ومعظمهم يسكن في المدن المحيطة بالقناة مثل بورسعيد والسويس والإسماعيلية. وخلافاً لمشاريع البناء الضخمة الأخرى، حرصت مصر على الاستفادة من شغف شعبها بما أتاح تنفيذ المشروع اعتماداً على الخبرات المحلية.
ولدى سؤاله عن سبب هذه المكانة المميزة للمشروع في نفسه، قال عبد الموجود: “سنرددها أمام العالم أجمع، تعالوا وشاهدوا ما أنجزه المصريون؛ فالعالم سيتحدث عنّا نحن بناة ’قناة السويس‘ الجديدة”. وعبّـر عبد الموجود عن فخره بسـرد قصص مشاركته في هذا المشـروع العظيم إلى أبنائه وأحفاده من بعده.
ويجلس عبد الموجود القـرفصاء على إحدى ضفتي القناة، بينما يتولى زملاؤه الاثنان تشغيـل حفارة لنقل الرمال. وعدا عن تدعيم الضفتين، يتعيّن عليهم أيضاً تركيب أعمدة مخصصة لرسو السفن العابرة.
“تحيا مصر”… “تحيا مصر”
“تحيا مصر”… “تحيا مصر”؛ هكذا صدح صوت سيّد عبد الحميد البالغ من العمر 51 عاماً والمقيم في مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية. لقد عمل عبد الحميد في مشروع القناة الجديدة منذ بدايته متحملاً الظروف المناخية القاسية خلال أشهر الصيف الحارّة دون أي تذمّر.
وقال عبد الحميد بهذا السياق: “يعود هذا المشروع بالخير والفائدة على مصر والعالم أجمع، حيث سيسهم في زيادة دخلنا القومي وتوفير الكثير من فرص العمل”.
ويعتزم عبد الحميد مواصلة العمل في القناة حتى موعد افتتاحها في 6 أغسطس؛ غير أن العمل بسرعة مع هذا العدد الكبير من العمال محفوف بالمخاطر، وخصوصاً فيما يتعلّق بموضوع السلامة.
وفي هذا الإطار، قال المتحدث باسم “هيئة قناة السويس”: “تأتي سلامة وصحة العاملين في القناة على رأس أولويات الهيئة، ونحن فخورون جداً بسجلنا المتميز على صعيد الصحة والسلامة خلال مرحلة الإنشاء”.
ويلتزم القائمون على المشروع بالحيطة والحذر في استيعاب المدنيين بمن فيهم مئات السكان المحليين ممن يتوجهون يومياً إلى القناة في جولات سياحية للاطلاع على آخر تفاصيل المشروع. ولذلك تم إنشاء منطقة جلوس مخصصة للمدنيين على مقربة من مجموعة تماثيل ونصب تذكارية جديدة، حيث يستطيعون التجمّع وتبادل الأحاديث والاطلاع على أعمال البناء مباشرةً.
ويشتكي عبد الموجود من عدم اكتمال المشروع بعد، فهو بحاجة لمشاركة مزيد من المصريين الذين تمنّى عليهم الانضمام إلى زملائهم في العمل ليسطّروا سوياً التاريخ المشرّف للبلاد.
وسيقطف العاملون المشاركون في المشروع، والبالغ عددهم 43 ألفاً، ثمار جهدهم الدؤوب مع اقتراب افتتاح القناة الجديدة يوم 6 أغسطس، وذلك بعد استكمال معظم الأعمال المضنية في المشروع