مفهوم جديد ينضمّ إلى معجمنا اليومي التونسي، على غرار مفاهيم كثيرة قفزت فجأة إلى حياة التونسيين خلال الـ 4 سنوات الأخيرة. الإرهاب الإقتصادي، مصطلح جديد يتضمّن قنبلة مركّبة تشمل أعتى وأقسى ما يمكن للغة أن تجود على مستخديميها: الإرهاب وآثاره السلبية على الإقتصاد.
هنا مقال عن الإرهاب الإقتصادي في تونس، هذه الصاعقة التي تهدد بحرمان التونسيين من أمنهم الغذائي.
في ظل غياب دراسات محلية أو عربية حول مفهوم الإرهاب الاقتصادي وتداعياته على إقتصادات الدول، كان من الضروري البحث ضمن الدراسات والبحوث الأوروبية والأمريكية التي أنجزت في هذا الإطار، للوقوف على مفهوم الإرهاب الاقتصادي، ومعرفة المنهج الاستراتيجي الذي يتبناه ودراسة مخلفاته السلبية على الإقتصاد.
يعرّف مركز سياسة الأمن والسلامة في جنيف الإرهاب الاقتصادي بأنه جملة الأعمال التي تقوم بها تنظيمات محلّية أو عابرة الحدود وتستهدف المنشآت والمشاريع والبنية التحتية. ويتمثل خاصّة في عمليات منظّمة ومتطوّرة واسعة النطاق تستهدف إحدى الدول لأسباب إيديولوجية أو دينية. ولهذه العمليات آثار نفسية فورية وتداعيات اقتصادية وخيمة مباشرة وغير مباشرة.
الدراسة نفسها أوضحت أنّ الإرهاب الاقتصادي يستهدف مباشرة القطاعات الحيوية لدولة ما، باعتبارها تتأثّر بسهولة بالهجمات الإرهابية، وتكلّف الحكومات أموالا طائلة على غرار السياحة، والنقل، والطاقة. وتعتمد هذه الظاهرة على وسائل إعلامية لتضخيم الأثر النفسي على الشعوب. ففي العربية السعودية، والجزائر، يستهدف الإرهاب منشآتها الطاقية، في حين تعدّ السياحة في مصر المستهدف الأول للإرهاب.
وقد أكّدت الدراسات التي أنجزت بين سنتي 1999 و2003 من قبل الوحدات البحثية العاملة في العديد من دول الاتحاد الأوروبي، مدى تأثير العمليات الإرهابية على القطاع السياحي، حيث سجّلت البلدان التي شهدت 3 عمليات إرهابية سنويا، خسارة تفوق الـ 20 مليون زائر، كما انخفض نسق نموّ السياحة فيها بنسبة 5 %.
وعلاوة على ذلك، يؤدّي الإرهاب إلى تراجع النموّ الاقتصادي، وتقلّص حجم الاستثمار المباشر، وانخفاض الدخل الفردي وتغيير الأنماط الاستهلاكية. فالمؤكّد أنّ نصيب الفرد من الدخل الوطني يجنح نحو الإنخفاض بنسبة 3.5 % كلّما تفاقم الإرهاب. كما يتسبّب الإرهاب الاقتصادي في خسائر كبيرة في التجارة الدولية، ويعود ذلك بالأساس إلى انخفاض حجم التبادل التجاري بين البلد الذي يعاني من الإرهاب ومختلف شركائه أو حرفائه أو مزوّديه التقليديين وغير التقليديين.
الإرهاب الاقتصادي في تونس
شهدت تونس مؤخرا عمليات إرهابية فريدة من نوعها، ضربت أبرز القطاعات الحيوية التي يقوم عليها الإقتصاد التونسي، ألا وهي السياحة. هذا القطاع الذي يمثّل 14 % من الناتج الداخلي الخام (بإعتبار 2010 كسنة مرجعية) بصفة مباشرة، و4 % في شكل تأثيرات غير مباشرة باعتبار القطاعات التي تدور في فلكه. العديد من الخبراء في الشأن الاقتصادي التونسي ذهبوا في تحليلاتهم في إتجاهات عدّة، حيث أسهبوا في تحليل تداعيات الهجمات الإرهابية الأخيرة على الإقتصاد التونسي وحياة المواطن وقدرته الشرائية، غير أنّ جميع تلك التحليلات تظلّ عائمة في محيطها النظري، بما أنّ السؤال الفعلي الذي يلازم الأذهان يبقى:
هل تمتلك الحكومة التونسية الأدوات اللازمة لمواجهة الإرهاب الإقتصادي؟
وهل نمتلك أرضية فكرية ملائمة، قبل ذلك، بما يسمح بمواجهة ضربات قاصمة قد تتواتر؟
الخبير الاقتصادي المختص في قضايا التنمية، فتحي الشامخي، يوضّح لمجلة “آخر خبر الاقتصادية” أنّ المجتمع التونسي يخضع إلى ظاهرتين:
ظاهرة أولى يطلق عليها بالدغمائية الفكرية أو السلفية الدينية التي تقوم بعمليات إرهابية وقتل الناس، وذلك على غرار ما وقع في 18 مارس المنقضي بمنطقة باردو.
وظاهرة ثانية تتمثل في السلفية الفكرية والاقتصادية المسلّطة على تونس، والتي لا تقل فداحة عن الظاهرة الأولى، لافتا إلى أنّ الظاهرتين يشتركان في تحميل مسؤولية ما يجري لأطراف أخرى.
الشامخي أوضح أنّ “المؤسسات الأجنبية كالاتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي العالمي وغيرهما حمّلوا تونس مسؤولية النتائج السلبية الناجمة عن السياسة الاقتصادية المتّبعة في البلاد، والتي اندلعت على إثرها الثورة، بحجّة أنها لم تطبق الشفافية المطلوبة، مستنكرا مثل هذا الموقف الذي وصفه بـ “غير المنطقي”، بما أنّ تلك السياسات كانت متبعة منذ أكثر من 20 عاما، وأهم ما تحتاجه هو الإصلاحات والهيكلة، وتونس، بحسب الشامخي، فوّتت على نفسها فرصة أخرى لمراجعة سياساتها وتحديد مصيرها، وهذا مؤسف جدا، وهذا هو ما يسمح بإرتجاج جميع المؤشرات حالما تحدث أي ضربة إرهابية أو حتى بمجرّد حدوث إضطرابات عادية”.
الشامخي أضاف أنّ “المنهج الاستراتيجي الذي يعتمده الإرهاب ينبني على إثارة الفوضى والتوتر والارتباك بهدف السيطرة على الحكومة وإضعافها، من خلال إستقطاب إهتمامها وإجبارها على الإنشغال بالمسائل الأمنية عن مطالب المواطنين، بدعوى حرصها على تحقيق الاستقرار والأمن لهم، وهذا ما من شأنه أن يقود إلى أحد الأمرين: إمّا إحتقان إجتماعي ينجم عنه حراك وفوضى، وإمّا فوضى تقود نحو الإحتجاجات والمظاهرات، وكلاهما يؤثر بشكل سلبي على الإقتصاد، ويخدم مصلحة الإرهاب الإقتصادي الذي يضرب في الصميم قصد تحقيق العزلة الاقتصادية لبلد ما”.
وفيما يتعلّق بانعكاسات العملية الإرهابية التي شهدتها منطقة باردو، بيّن الخبير الاقتصادي أنّها لم تحقّق النتائج المرجوة التي ضبطها الإرهابيون، لأنها تزامنت مع تنظيم المنتدى الاجتماعي العالمي. هذا الحدث العالمي الذي لقي صدى ايجابيا من قبل العديد من المشاركين الذي جاؤوا من حوالي 60 دولة تضامنا مع الشعب التونسي، والجدير بالذكر أنّ لتونس أصدقاء كثيرين من الخارج ويجب تثمين مواقفهم.
وعن الأسباب أشار الشامخي أن “الإرهاب ينتعش ويتطور في الظروف الاقتصادية والاجتماعية الهشة التي تمرّ بها دولة ما، ونظرا لتردي الوضع الذي تعيشه تونس ( البطالة، فقر، تهميش، عدم توزيع الثروات، غياب التنمية الجهوية، تدني مستوى الدخل الفردي، تدهور الطاقة الشرائية وارتفاع الأسعار وغيرها)، فإنّه من البديهي أن يساهم ذلك في إنعاش المجموعات المتطرفة والفكر المتطرّف عموما، وتزويدها بعناصر تعاني الخصاصة، وتكون بالتالي فريسة سهلة للإستقطاب الإيديولوجي بأنواعه، مضيفا: “لسنا محصّنين ضدّ عملية ثالثة أو رابعة، وبالتالي نتمنى أن تجد الحكومة حلولا عاجلة لإنعاش الاقتصاد الوطني، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي، مما ينتج عنه تقوية الدولة لتصبح قادرة على مكافحة الإرهاب”.
وخلص الشامخي الى المقترحات التالية: “لا بد من الزيادة في أجور العمال لتحسين المقدرة الشرائية لجميع المواطنين لانتعاشة السوق المحلية، وتحقيق نسبة نمو عالية وضمان العدالة الجبائية وتقسيم الثروات وتحقيق التنمية الجهوية.”
سعيدة *