من المصادفات العفوية أن يتزامن عيد الشهداء هذا العام مع افتتاح الدورة الثالثة لأيام قرطاج الموسيقية، فكان الاحتفاء بالشهداء رمزيا عبر الموسيقى في قصر المؤتمرات بالعاصمة الذي استقبل عددا كبيرا من الفاعلين في المشهد الموسيقي.
نشط الحفل كل من “كريمة الوسلاتي” و”مهدي كتو”، وأعلنت عن الافتتاح الرسمي للدورة الثالثة لأيام قرطاج الموسيقية وزيرة الثقافة والمحافظة على التراث “سنيا مبارك” التي تحدثت في كلمتها عن قيمة الموسيقى واستعرضت بإيجاز الرهانات التي تواجهها الوزارة للارتقاء بالموسيقى التونسية وتحسين وضعية الفنان التونسي… وقبلها أشار مدير الأيام الدكتور “حمدي مخلوف” بشكل موجز أيضا إلى أهم ملامح هذه الدورة بمختلف أقسامها وتحدياتها أيضا.
الافتتاح الموسيقي كان من تدبير الفنان “محمد علي كمون” بعرض “عطور” ومشاركة المجموعة الأوركسترالية بتونس بقيادة رشيد قوبعة في عرضه الأول…
وعلى الرغم من أن “كمون” تحدث سابقا عن مشروعه الكبير “قافلة 24 عطرا” من 24 ولاية تونسية إلا أنه ينفي أن تكون “عطور” افتتاح الدورة الثالثة لأيام قرطاج الموسيقية جزءا أو مقتطفا أو فصلا من قافلة الـ24 عطرا، ولكنه لا ينكر في الوقت نفسه استلهامه للمقطوعات والأغاني ومختلف العناصر الصوتية والبصرية التي اقترحها في العرض من التجربة المخبرية لقافلة الـ24 عطرا.
على ركح قصر المؤتمرات بالعاصمة، انطلق عرض “عطور” بلفتة تكريمية لفقيد الشعر في تونس “محمد الصغير أولاد أحمد” من خلال قراءة شعرية برقية تمزج بذكاء مقاطع من قصيدتيه “نحب البلاد” و”نساء بلادي”… وعلى الركح نفسه كنا أمام مجموعتين موسيقيتين الأولى هي المجموعة الأوركسترالية بتونس بقيادة الفنان “رشيد قوبعة”، والثانية يقودها صاحب العرض “محمد علي كمون” وتتكون من سبعة عازفين: “زياد الزواري” على الكمنجة، “نبيل عبد المولى” و“أحمد ليتيم” على آلة الناي، “لطفي صوة” على آلة الإيقاع، “عبد السلام الغربي” على “الباطري“، “وسيم بن رحومة” على الباص، إضافة إلى قائد هذه المجموعة “محمد علي كمون” على البيانو.
هذا المزج بين المجموعتين، مع براعة العازفين والحرفية العالية للمجموعة الموسيقية الأوركسترالية بتونس سمح للعرض بأن يكون على مستوى عال من الجودة في التنفيذ، كما جاءت النغمات متفردة فيها مزيج عجيب بين الموسيقى التونسية الصحراوية الراحلة والموسيقى السنفونية مع نغمات الجاز كل هذا مع عطر بصري متمثلا في فن الغرافيتي الذي قام بتصميمه “رؤوف الكراي” وأحسنت إخراج العرض “فيرونيك فارسترايت”.
مدخل العرض كان موسيقيا بأربعة مقطوعات حملت الجمهور الحاضر من الكاف إلى ساقية سيدي يوسف… توطئة ذكية ومؤثرة جعلت الحاضرين يصفقون ويهتفون إعجابا بثراء الموروث الموسيقي التونسي الطيّع الذي يقبل الاشتغال عليه بشتى الأساليب دون أن يتخلى عن تفرده وعن عمقه.
في العطور التالية، أطل صوت من “الجريد” اسمه “محمود العرفاوي”، غنى بنبرته المميزة، وبصوته القوي وإحساسه الكبير عطرين، “رحلوا بيك” و“هز حرامك”، وغنى أيضا “معتصم لامير” وهو صوت شديد التفرد من تطاوين أغنية “هز حرامك” ليختتما معا الحفل غناء وشعرا بـ“ريت النجمة”.
الجميل في العرض أن الفنان “محمد علي كمون” حافظ على تقنيات الآداء البدوي للصوتين، وكانت الموسيقى والصولوات في خدمة هذا الآداء المتفرد… خلطة عجيبة أثرت في الحاضرين ممن صفقوا طويلا للعطور في نهاية العرض أشادوا بافتتاح ناجح للدورة الثالثة لأيام قرطاج الموسيقية.