المنبر التونسي (عبد الإله بلقريز) – المفكر العربي ذائع الصيت (المغربي الجنسية) عبد الإله بلقريز إلى خط الرئيس قيس سعيد، واعتبر في مقال لافت أن ما قام به الرئيس التونسي يوم 25 جويلية هو “ردع الدولة للسلطة المنفلتة ” .. وفي ما يلي نص المقال :
” تقدم إجراءات الرئيس قيس سعيّد، بحل الحكومة وتجميد عمل البرلمان في تونس، مثالاً نادراً للصدام بين الدولة والسلطة؛ إذ اجتمعت على إنفاذ هذه الإجراءات إرادات سيادية عدة( رئاسة الدولة، الجيش، القضاء، أجهزة الأمن )، وتلقاها أغلب الرأي العام بالقبول، مثلما ساندها القطاع الأعرض من المنظمات الشعبية ذات التمثيل الوازن يقف على رأسها «الاتحاد العام التونسي للشغل».
بدت السلطة( التنفيذية والتشريعية ) في هذا الخضم موضوعاً لمحاسبة عليا من أهم رموز السلطة السيادية في البلاد؛ محاسبة على التقصير الفادح في مجابهة معضلات التنمية ومكافحة وباء كورونا؛ ومحاسبة على فساد استشرى فتحول إلى نظام؛ ثم محاسبة على مضاربات سياسية حولت قاعة البرلمان إلى خشبة فرجة لعرض مشاهد من المهازل التي لا تنتهي حتى تبدأ من جديد. لا يمكن أن تفهم هذه «النازلة» إلا متى أقمنا التمييز النظري بين الدولة والسلطة. هما نصابان متمايزان وليسا متماهيين؛ كما يخطئ أكثرنا إدراكها.
والغالب على وعينا للمفهومين الخلط بينهما والمرادفة، الأمر الذي يتولد منه اختزال الدولة في السلطة، أو التعالي بالسلطة إلى حيث تصير بمنزلة الدولة! الدولة هي التجسيد الكياني المؤسسي للمجتمع والشعب، أما السلطة ( التنفيذية والتشريعية ) فمحض أداة من أدواتها وحيز من حيزاتها. وإذا كان يجري تنافس على السلطة في الدول- وينطبق ذلك على تونس – فيقع التدافع بين الأحزاب والقوى السياسية على حيازة حصص منها- أكان ذلك على صعيد السلطات المحلية أو على صعيد السلطة المركزية- فإن هذا الحيز المخصوص للمنافسة الاجتماعية ضئيل المساحة إن قورن بحيز المسؤوليات والاختصاصات والسلطات الأخرى في الدولة؛ تلك التي لا تكون موضع منافسة ولا تخضع للانتخاب (البيروقراطية أو الطبقة الإدارية، الجيش، الأمن والاستخبارات، القضاء….). كيف يجوز، إذن، وضع السلطة موضع الدولة؟ يتصل بهذا التمييز بين الكيانين تمييز بين شرعيتين: شرعية الدولة وشرعية السلطة. ما من شك في أن مأتى الشرعية ومصدرها، في الحالين، هو الشعب. غير أن شرعيته الدائمة تتجسد في الدولة ودستورها، ابتداء، فيما تتجسد الشرعية الانتقالية في البرلمان والحكومة.
وهي انتقالية لأنها متغيرة؛ قد تمنح اليوم لزيد، وتمنح لعمرو في الغد. أليس مبنى هذه الشرعية الأخيرة على مبدأ متغير هو الآخر، هو المنافسة؟ يبطل، بهذا المعنى، حديث المتحدثين عن «انتهاك» الرئيس للشرعية( علماً أنه طبق فصلاً دستورياً يمنحه الصلاحيات) ؛ من ذا الذي ينتهك الشرعية: من يهدد شرعية الدولة أو من يتدخل باسم الدولة ومؤسساتها السيادية ليضع حداً لسلطة فاسدة تهدد بإطاحة البقية الباقية من تونس المجتمع ومن تونس الدولة؟ ما حصل ليس خروجاً عن الشرعية أو اغتصاباً لها حتى يدمغ بتهمة الانقلاب؛ ما حصل أتى- عكس ذلك- لإنقاذ الشرعية من اغتصاب تجار السياسة ومافيات الفساد لها. إنه تدخل محمود من الدولة في سلطة باتت منفلتة العقال من أي ضابط ورادع، وميالة نحو الصيرورة إقطاعاً سياسياً خاصاً، من أجل إعادة إخضاعها إلى الإرادة العامة وتأميمها”.