المنبر التونسي (النادي الإفريقي) – مع حلول الذكرى الـ104 لتأسيس النادي الإفريقي، الذي أبصر النور لأول مرة يوم 04 أكتوبر عام 1920، يتجدد حنين جماهير “الأحمر والأبيض” إلى الماضي المجيد، ويعود الأمل ليعانق قلوب عشاق هذا النادي العريق، فالنادي الإفريقي ليس مجرد فريق رياضي، بل هو رمز للوفاء، والصمود، والتحدي.
على مدار أكثر من قرن، خطّ الإفريقي مسيرة حافلة بالإنجازات واللحظات التي لا تنسى، حيث شكلت انتصاراته وخيباته جزءاً لا يتجزأ من وجدان جماهيره الوفية. وفي هذه الذكرى الخالدة، نعود بالذاكرة إلى لحظات مجيدة صنعت تاريخاً لا يمحى، وحكاية عشق لم تنطفئ جذوتها عبر الأجيال.
حفلت مسيرة فريق باب الجديد العريق بالعديد من المحطات المضيئة والألقاب التي بلغت 39 لقباً رسمياً في كرة القدم، إضافةً إلى تتويجات أخرى في جميع الرياضات والإختصاصات الجماعية منها والفردية.
وتأسس الإفريقي يوم 04 أكتوبر 1920، بمنطقة باب الجديد بالمدينة العتيقة للعاصمة التونسية، وبالتحديد في مخزن الصوف الموجود في حي المركاض، لخلافة نادي الملعب الإفريقي (تأسس سنة 1915 وتم حله في 1918).
وقد ترأس النادي آنذاك البشير بن مصطفى، وكان جمال الدين بوسنينة نائباً له وحسان النويصري أميناً للمال، فيما كان اللاعب التونسي محمد مالوش أول قائد للأفارقة.
وجاء تأسيس الأحمر والأبيض سنة واحدة بعد نهاية الحرب العالمية الأولى التي كشفت عن الوجه القبيح للإستعمار الفرنسي الذي كانت ترزح تحته تونس منذ سنة 1881، الأمر الذي أيقظ الوعي السياسي والإجتماعي والثقافي داخل المجتمع التونسي وخاصة لدى فئة الشباب التي عملت جاهدة على تأكيد الهوية التونسية الإسلامية ومحاربة المحاولات الاستعمارية لطمسها وتهميشها، وهو ما تجلى خاصة في تأسيس الحزب الحر الدستوري كتعبير عن يقظة هذا الوعي.
ترسيخ للهوية التونسية..
لم يكن من السهل في هذا المحيط الفرنسي المعادي للهوية التونسية والراغب في طمسها أن ينشأ منذ عشرينيات القرن الماضي ناد تونسي لحما ودما مدافع عن الهوية مرسخا لها في صفوف الناشئين. وفي هذا السياق، إختار الآباء المؤسسون لفريق الشعب مواجهة الإدارة الاستعمارية من خلال الإصرار على أن يكون رئيس النادي تونسي الجنسية ومسلم الديانة، وهو ما كانت ترفضه القوانين المنظمة للنشاط الرياضي في تلك الحقبة التاريخية، والتي تفرض أن يكون رئيس النادي فرنسي الجنسية.
ولم يكتف الآباء المؤسسون للنادي الافريقي بهذا التحدي بل أردفوه بتحد ثان من خلال اختيار اللونين الأبيض والأحمر كلونين مميزين للنادي، والأبيض والأحمر هما اللونان اللذان يتكون منهما العلم التونسي.
و إمعانا في التحدي اختاروا أن يوشح قميص النادي وفي مستوى قلب حامله شعار يتكون من نجمة وهلال وهما من مكونات العلم التونسي من ناحية ورمز للهوية الاسلامية التي كان الاستعمار يعمل على تذويبها. ومن هذه الزاوية فقد ساهم النادي الافريقي في إحياء الوعي الوطني وواكب تطوره ولعب دورا في النضال ضد الاستعمار، وفي كل التحولات الاجتماعية التي عاشتها تونس منذ الاستقلال وإلى حد الآن.
وللنادي الافريقي إسهام متميز ولا شبيه له في العمل على مقاومة ثقافة الإنحطاط، وتكفي الاشارة برأيه إلى الدور الذي لعبه أغلب مؤسسيه في تأسيس المعهد الرشيدي الذي ساهم في إنقاذ التراث الموسيقي التونسي وفي التصدي للنزاعات الموسيقية المنحطة التي كانت تهدف إلى تبليد الوعي وتكريس تخلف الذائقة الفنية وانحطاطها.
تاريخ زاخر بالأمجاد والبطولات..
بعد مخاض التأسيس وضعف الموارد المالية الذي رافق السنوات الأولى لانبعاث النادي ومحاولة الزعيم الراحل الحبيب بورڨيبة سنة 1930 دمج الفريق بغريمه الأزلي الترجي الرياضي والتي قوبلت بالرفض القاطع لكبار النادي، إنظم الفريق إلى القسم الأول للبطولة التونسية سنة 1937 ولم يغادره منذ ذلك التاريخ. وتحصل النادي على أول بطولة له موسم 1946-1947 على حساب الترجي الرياضي و1947-1948 على حساب النجم الساحلي. في سنة 1956 تمكن النادي الإفريقي من الوصول إلى نهائي كأس تونس لأول مرة في تاريخه لكنه هزم 3-1 أمام الملعب التونسي وأنهى البطولة في المركز الثالث.
بعدها تراجعت نتائج الفريق بشدة وأقصي في العديد من المرات من الأدوار الأولى للكأس وتحصل على مراتب متأخرة في البطولة مما دفع المسيرين لانتداب المدرب الإيطالي فابيو روكيجياني والذي شهر بحسن تكوينه للشبان. هذه السياسة على المدى الطويل ساعدت الفريق على تحسين وضعيته.
العصر الذهبي وأول ثنائية..
حصد الفريق معظم ألقابه على المستوى الوطني والإقليمي في ستينات وسبعينات القرن الماضي، حيث حصد موسم 1963-1964 أول لقب له بعد الاستقلال بقيادة مجموعة من اللاعبين الشبان مثل الطاهر الشايبي ومحمد صالح الجديدي والصادق ساسي. كما توج الفريق سنة 1965 بالكأس الأولى في تاريخه.
موسم 1966-1967 كان استثنائيا للأفارقة، حيث توج الفريق بأول ثنائية في تاريخه بعد فوزه بالبطولة بفارق ثمانية نقاط عن أبرز ملاحقيه النجم الرياضي الساحلي والذي فاز عليه أيضا في نهائي الكأس 2-0. في العام الموالي أنهى الفريق الموسم في المرتبة الثانية وفاز بالكأس بعد فوزه على الترجي الرياضي التونسي.
في ديسمبر 1970، فاز النادي الإفريقي بلقب الكأس المغاربية للأندية الفائزة بالكؤوس، ليصبح بذلك أول فريق تونسي يحصل على لقب إقليمي. وفي 1972، عاد الفريق إلى الألقاب الوطنية بالفوز بسادس كأس ومنهيا البطولة في المركز الثاني.
في موسم 1972-1973 تحصل الفريق على ثاني ثنائية في تاريخه، وكانت تحت قيادة المدرب جمال الدين بوعبسة. وفي سنة 1973-1974: فاز النادي الإفريقي بالبطولة متحصلا على أفضل هجوم وأفضل دفاع. وفي جانفي 1974، فاز الفريق بالكأس المغاربية للأندية البطلة لأول مرة في تاريخه 1974 في الدار البيضاء ضد نادي الرجاء الملالي. ثم أعاد الفريق نفس الإنجاز في أكتوبر 1975 في تونس، أمام مولودية الجزائر بعد ضربات الجزاء رغم سيطرة الجزائريين على المباراة.
في موسم 1975-1976، جاء الفريق في المركز الثالث في البطولة وفاز بكأسه السابعة على حساب الترجي الرياضي التونسي بضربات الجزاء. وفي موسم 1977-1978، أنهى الفريق الموسم في المرتبة الثانية، وشارك في نفس الموسم خمسة من لاعبيه في بطولة كأس العالم لكرة القدم 1978 بالأرجنتين مع منتخب تونس لكرة القدم وهم المختار النايلي والصادق ساسي وكمال الشبلي ومحمد علي موسى ونجيب غميض. النادي الإفريقي فاز مرة أخرى بالبطولة موسم 1978-1979. وفي موسم 1979-1980، مع لاعبين مثل المختار النايلي وكمال الشبلي ونجيب المسعودي ومحمد علي موسى، والمدرب أندري ناجي، فاز الفريق بالبطولة مرة جديدة ولم يقبل الفريق إلا سبعة أهداف وهو رقم قياسي.
الرباعية التاريخية..
بعد فترة غياب عن منصات التتويج امتدت طيلة عشرية الثمانينات التي لم يبقى منها في ذاكرة جماهير الفريق سوى الإنتصار التاريخي على الترجي في الدربي 5-1 يوم 5 ماي 1985 تحت قيادة المدرب أندريه ناجي، عاد الفريق إلى التتويجات من بوابة البطولة موسم 1989-1990. في الموسم الموالي، خسر النادي الإفريقي كأس إفريقيا للأندية الفائزة بالكؤوس ضد بي بي سي ليونس النيجيري وتحصل على المرتبة الثانية في البطولة خلف الترجي الرياضي التونسي.
بعد ذلك بأشهر، وتحديداً يوم في 23 ديسمبر 1991، توج النادي الإفريقي بدوري أبطال أفريقيا، ليكون بذلك أول فريق تونسي يفوز بهذا اللقب. كما توج بالبطولة على حساب النادي الرياضي البنزرتي بعد هدف ثمين سجله عادل السليمي في الدقيقة 91، وهي البطولة العاشرة في تاريخ النادي. بعد ذلك فاز الفريق على الملعب التونسي في نهائي الكأس مسجلا موسما استثنائيا للفريق. وأكمل الفريق فوزه بدوري أبطال أفريقيا لكرة القدم بالفوز بالكأس الأفروآسيوية للأندية ضد نادي الهلال السعودي، محققاً رباعية تاريخية مايزال يحتفي بها الأفارقة جيلاً بعد جيل.
وفي سنة 1995 فاز الفريق بالبطولة العربية للأندية الفائزة بالكؤوس ضد النجم الرياضي الساحلي في الملعب الأولمبي بسوسة. كما توج أيضا البطولة موسم 1995-1996 محققاً أرقاماً قياسية: بوبكر الزيتوني حافظ على نظافة شباكه طيلة 1004 دقائق وهو رقم قياسي وطني. النادي الإفريقي لم يقبل سوى هدف واحد طيلة فترة الذهاب وسبعة أهداف في كامل الموسم، ومسجلا 49 هدف في ذلك الموسم، وكان أفضل هداف هو سامي التواتي محرزا 17 هدفا.
2008 والعودة إلى الأمجاد..
بعد ذلك غاب النادي الإفريقي عن التتويجات مجددا لمدة 10 سنوات تخللها الفوز بكأس تونس سنة 2000، ليعود تحت قيادة المدرب الجزائري عبد الحق بن شيخة ويحرز لقب البطولة للمرة 12 في تاريخه بفضل فريق ممتاز على رأسه الأسعد الورتاني وألكسيس إينام ماندومو ووسام بن يحيى ويوسف المويهبي، دون نسيان حارس المرمى عادل النفزي الذي حطم الرقم القياسي للبطولة ب1269 دقيقة من اللعب دون قبول أي هدف، من الدقيقة 38 للجولة الثامنة إلى الدقيقة 48 للجولة 22. في موسم 2008-2009.
بعد ذلك، ورغم وصوله إلى نهائي كأس الكاف سنة 2011 تحت قيادة المدرب المخضرم فوزي البنزرتي والهزيمة بركلات الجزاء أمام المغرب الفاسي، لم ينجح الإفريقي في حصد أي لقب يذكر إلى حدود سنة 2015 حيث توج باللقب 13 في تاريخه تحت قيادة المدرب الفرنسي دانيال سانشاز، قبل أن يحرز لقب الكأس لمرتين متتاليتين (2017-2018).
ومع حلول الذكرى الـ104 لتأسيس النادي الإفريقي، تتجه الأنظار نحو المستقبل بتفاؤل وأمل كبيرين. فرغم الصعوبات والتحديات التي مر بها النادي طيلة عقود، يبقى تاريخه الحافل بالإنجازات دافعاً قوياً لبناء مرحلة جديدة من النجاح محليا وإقليميا.
اليوم، تقف إدارة النادي وجماهيره أمام فرصة ذهبية لإعادة رسم ملامح مستقبل مشرق، يقوم على تعزيز الإنجازات، وصقل المواهب الصاعدة، وتطوير البنية التحتية للنادي. ومع ولاء جماهيره العريضة ودعمها المستمر، يبقى النادي الإفريقي قادراً على تحقيق إنجازات أكبر، ليواصل كتابة فصول جديدة من المجد، ويثبت مجدداً أنه نادٍ لا يكتفي بالماضي، بل يسعى دائماً إلى مستقبل أكثر إشراقاً.