المنبر التونسي (قضية لزهر الشرايطي) – وقع في مثل هذا اليوم من سنة 1963تنفيذ حكم الإعدام رميا بالرصاص فى عشرة أشخاص تورطوا فيما عرف بقضية لزهر الشرايطي.
هذه القضية تعلقت بمجموعة من المتهمين مدنيين وعسكريين فكروا فى قلب نظام الحكم وتنحية الزعيم بورقيبة وتنصيب المنجى سليم مكانه
أسباب هذه المؤامرة عديدة تتمثل خاصة فيما يلي:
اولا: الركود الاقتصادي الكبير الذى عرفته البلاد بعد الاستقلال ورحيل عشرات الآلاف من الفرنسيين فعمت البطالة وتدهورت الوضعية الاقتصادية، واضطرت الدولة لتصدير زيت الزيتون للخارج واستبداله بزيت الصوجا فى السوق الداخلية وهو ما خلق اجواء مشحونة.
ثانيا: معارضة المحافظين لالغاء التعليم الزيتوني وامتعاضهم الشديد لما ترتب عن سن مجلة الأحوال الشخصية واقرار قانون التبني والحملة التى اطلقها الزعيم للإفطار عند عدم القدرة عن القيام بالواجب المهنى او الدراسي.
ثالثًا: غضب أنصار صالح بن يوسف الشديد على النظام اثر اغتيال هذا الأخير فى فرانكفورت يوم 12اوت 1961.
رابعًا: غضب النخبة على النظام وخاصة المحامين اثر حل هيئتهم التى كان على رأسها العميد الشاذلى الخلادى وهو من أنصار الحزب الدستورى القديم وقد نسب له انه تهجم على بلدية تونس بمناسبة احدى مرافعاته.
خامسا: غضب رجال الدين اثر إيقاف الشيخ عبدالرحمن خليف بالقيروان فيما عرف بمظاهرة الله اكبر ما يمشيش.
انتشار اشاعات مغرضة حول حياة البذخ والترف التى نسبت عن سوء نية للزعيم الحبيب بورقيبة الذى شرع فى تشييد قصر قرطاج
سادسا: غضب رجال الأعمال اثر الشروع فى إقرار التعاضد
سابعا: غضب العسكريين لعدم تشريكهم فى معركة بنزرت والتى اعتبروها نيلًا من شرفهم حيث قدم المتطوعون والحرس وغيب الجيش حفاظا عليه باعتباره كان فى طور التكوين
ثامنا: جشع بعض المقاومين اللذين كانوا يعتبرون انهم لم ينالوا ما يكفى من غنائم بعد الاستقلال وفى طليعتهم الشرايطى وساسي لسود
هذه العوامل أدت الى التقاء إرادة المدنيين والعسكريين وقد نسق لذلك الضابط صلاح الدين البمبلى. الذى تكون بالجيش السورى وتعود على العقلية الانقلابيية.
اجتمع المتآمرون يوم 18ديسمبر1962 الذى كان اخر اجتماع للخوض فى تفاصيل الانقلاب ولكن حصل اختلاف بين المدنيين والعسكريين. حول مصير الزعيم الحبيب بورقيبة ففى حين راى المدنيون وفي مقدمتهم لزهر الشرايطى انه لابد من التخلص نهائيًا من بورقيبة قائلا قص الرأس تنشف العروق راى العسكريون انه يجب ايقافه وإيداعه ببرج سيدى على الرايس فوق سفح جبل سيدى بلحسن ومحاكمته. وتكوين حكومة يكون على رأسها الطيب المهيري على ان تسند رءاسة الجمهورية المنجى سليم.
ازاء هذا الاختلاف انفض الاجتماع دون اى قرار واجل موضوع المؤامرة. لاحقا وهنا خاف احد ظباط الصف الذى كان على علم بالموضوع على مصيره فتحول الى قيادة الأركان وقابل السيد الحبيب بن عمار مدير ديوان كاتب الدولة للدفاع ونقل له الموضوع بكل تفصيل فقام هزا لأخير بنقل هذه التفاصيل للباهىي الادغم الذى استدعى قيادة الأركان وتولى إلقاء القبض على كل الضباط المورطين ثم وقع إلقاء القبض على المدنيين.
على عكس ما تقتضيه الإجراءات تولى الباهى الادغم الإشراف بنفسه على الأبحاث وتم احالة المتآمرين على المحكمة العسكرية برءاسة على الشريف، ويمكن التأكيد ان هذه المحاكمة كانت المناسبة الوحيدة فى تاريخ المحاماة التونسية التى تخلف فيها المحامون تحت وطأة الخوف عن القيام بدورهم اذ رفض كل المحامين الترافع فيها مما جعل المحكمة تسخر خمسة محامين للدفاع عن كل المتهمين وهم الأساتذة:
إبراهيم الزيتوني
مختار معرف
خيرالدين الليلى
رضا كاهية
صلاح قايد السبسي
كانت مرافعات هؤلاء اعتذارا للنظام وطلب لضروف التخفيف
رغم ان المتهمين اوقفوا تنفيذ مخططهم نتيجة الاختلاف فى مصير الرءيس الحبيب بورقيبة مما كان يستوجب على الأقل أخذ هذا الموضوع بعين الاعتبار وعدم التصريح بالإعدام.
صدر حكم بالإعدام فى خصوص 12متهم حضوريا أما الثالث عشر وهو المسطارى بن سعيد فصدر حكم غيابي بالإعدام فى حقه وكان فر للجزائر.
تم تعقيب الحكم العسكري النهاءى ورفض الطعن فتدخل الباهى الادغم بمعاضدة من وسيلة بن عمار لاستبدال حكم الإعدام الصادر ضد منصف الماطرى ابن شقيق محمود الماطرى رءيس الحرب الحر الدستورى وتعويضه بالأشغال الشاقةً المؤبدة فأحس بورقيبة بحرج كبير وقبل اخر المطاف استبدال حكم الإعدام فى حق منصف الماطرى ولكن تمتع بنفس الإجراء للتغطية السياسية الضابط حمادى قيزة وكليهما مع محمد بركية انتموا لفوج بورقيبة الذى تخرج بعد الاستقلال من مدرسة سانسير بفرنسا.
كانت الأحكام شديدة القسوة ولا تتناسب مع الأفعال التى ثبتت فى حق غالبية المتهمين ولكن النظام كان يزيد تمرير رسالة شديدة لكل من تحدثه نفسه بالتآمر على امن الدولة.
تم تنفيذ حكم الإعدام فى عشرة أشخاص يوم 24حانفى 1963قبل حلول رمضان بيوم واحد ودفنوا فى قبر جماعى بثكنة الحرس ببىر بورقبة ووضع الجير على جثث المعدومين مما تعذر معه العثور على جثث اللذين كانوا من الفوق بينما وقع اخراج خمسة جثث نقلوا الى مسقط رؤوسهم بعد الثورة.
رحمة الله عليهم وغفر لمن تسبب فى هذه الاعدامات التى تميز البعض منها على الأقل بالقسوة والشدة.
ولكن هذه هى احكام السياسة فقد تملك المسؤولون آنذاك الخوف على مصير الدولة الناشىة فكان رد الفعل عنيفا كما وصفه سفير فرنسا بتونس آنذاك جان سرفانيارغ وتصرفوا بمنطق حماية الدولة حتى لا يصيبها ما اصاب دول المشرق .
ويبقى للتاريخ احكامه.