تونس – إختلطت، هذه السنة أيضا، رائحة الرصاص والموت بـ“رائحة رمضان” التي يتباهى التونسيون والمسلمون في مناطق أخرى عديدة من العالم بـ“شمها” مع حلول شهر الصيام من كل عام عمليتان إرهابيتان متلاحقتان في سيدي بوزيد وجندوبة تسفر عن قتل أمنيين وبعدها بأقل من 24 ساعة حادث مرور أليم لقطار وشاحنة يودي بحياة عدد من الأبرياء على الطريق الحديدي الرابط بين تونس وقعفور، في الوقت الذي يستعد فيه التونسيون لمتابعة رؤية هلال رمضان.
وكأن هذا التصادف الغريب بين حادثتين مختلفتين تماما، أراد أن يزيد على رائحة رصاص الإرهاب “نتونة” على نتونته الطبيعية، لتلويث أجواء وروائح رمضان الذكية في نفوس التونسيين ومخيالهم الجمعي. واللافت، أن فعل تلويث أجواء التونسيين بمناسبة رمضان، من قبل الملوثة أيديهم، بمشاهد الدم وروائح الرصاص والبارود لم تشذ عن “منحاهم” المعلن خلال شهري رمضان الفارطين. فحين كان التونسيون على موائد إفطارهم أحد أيام شهر الصيام العام الماضي تمتد يد الغدر الإرهابي ضد عدد من جنودنا في جبل الشعانبي على حدودنا مع الجزائر.
ونفس السيناريو، الفعل، عشناه وقت الإفطار، تحديدا، لأحد أيام رمضان الذي قبله وبعدما كنا قد عشنا قبل ذلك بأربعة أيام «صدمة » إغتيال الشهيد محمد البراهمي وفي رمضان، أيضا !! تواتر رمضاني، على مدى ثلاث سنوات، لنفس المشهد الإرهابي الدموي، ولو إختلف «إخراجه» قليلا، لوثت من دون شك «رائحة رمضان» التي يعيشها التونسيون كل عام وجعلت الشهر عنوان «مواجع» حتى أن تهانيهم لبعضهم البعض بمناسبة حلول هذا الشهر أصبحت ترفق بعبارات تتعلق بأمن وسلامة بلادهم.
إذا كان «السوسيولوجيون» يتحدثون عن «مسرحة السلطة» في تحليلهم للفعل السياسي بمواقيته وأمكنته وفضاءاته وأشكاله المختارة بإحكام، فإن إختيار أيادي الغدر لشهر رمضان لبث مشاهد الدم والرصاص لا يمكن توصيفه بغير « مسرحة القتل وإرهاب الناس» ! وإذا كانت الغاية من هذه «المسرحة الدموية» رسالة لبعث الألم والترهيب والتخويف في النفوس، فإنها لن تثني التونسيين على «شم» رائحة رمضان مثلما تعودوا دائما، وسيظلوا يجتمعون حول مائدة الإفطار مباشرة بعد آذان المغرب وصوت «مدفع رمضان» وليست «المدافع» الأخرى.. ويعيشون كل طقوسه في كل عام..، رغم «أنف» كل الآلام !